اليوم… بين أنقاض مدينة غريبة
بين زحامها وأحداثها
أجدني أراهم جميعًا في مرأى صغير
كأنهم أصبحوا حقيرين بين أناملي
أين أنا؟ وكيف أتيت؟ وكيف حدث هذا؟
لا أحد يراني، ولا أحد يسمعني…
مجرد فوضى… مجرد أناس لا أعلم من هم
ويلي… وقد أصبحت عملاقًا بالوحدة
ضعيفًا بالقوة
أقف متعجبًا…
فهم يتحدثون بلغة لا أفهمها
ونظراتهم تخترق جسدي
وتكسر موانعي
سري مستباح…
وهمسي لهم مجرد طلاسم لا معنى لها
أيسمعني أحد…؟!
يا صمتي أنا… وقد قتلتني سيوف الوقت
أرى النهار ويتبعه الليل
وأصبحت عقارب ساعتي في عجلة من أمرها
لا أدري ما حدث… ولا أين أنا
أقف مذهولًا
وأصبحت بين الجميع مجرد هيكل وجسد شاحب
ملامح الصبر على وجهي تروي سنين الغدر
وتحفر على ملامحي سيول المر
وأصبحتُ في عمري أقدم من عصور الكون
تثاقلت خطواتي
وأنا من كان يعتقد أنه في مقتبل العمر
يا ضحكاتٍ تصاعدت ببكاء
تجر معها حيرة طفل
ودموعٌ تسيل… لا أعلم لها مصدرًا
ولا أين سترسو
وبين أحداثي وحيرتي
بين نفسي ونفسي
أعود لأجد أني ما زلت في مدينتي
وقد توقف أحد المارة ليرى من أنا
وكيف وصلت إليهم
فأسرعت نحوه… لعلّه ينقذني من همّي
من أنا؟ ومن أنتم؟ وما الذي حدث؟
ابتسم… وقال لي:
نحن من لا تعانقهم ولا تعاتبهم
مجرد عابرين في مدينتك
لا مأوى لنا بين أضلعك
أنت كبيرنا… ونحن عبيد بين طيات قلبك
أنت قيدنا… ونحن خدّاعوك
أنت من لم يستجب لقسوتنا
وتجاهلنا بعزف مواجعك
ارحل… فأنت لست لنا
ولا نحن نستحقك
وقبل أن أنسى يا طفلي…
أنا آخر من خدعك
وقريبًا… لن أراك
اذهب… وارحل إلى مدينة أخرى
قد تجد من يستحقك أكثر منا
كيف أرحل وأنا لا أعلم أين أنا؟
ولا ماذا حدث؟
وقطعت حيرتي…
وسألته:
من أنت…؟!
قال:
أنا نفسك يا طفلي… وأنت وليمتي
أنت من جعلت نفسك بيننا بإرادتك
وجعلت جوارحك ملكًا لنا
وقلبك هوايتنا المفضلة
وجراحك غذاءنا
وقتل مشاعرك… دليل جبروتنا
وبدأ الصمت يجول في المكان
يحطم كل معتقدات كانت لي أساسًا وعمدانًا
تداخلت معالمي
ومرّت دقائق كسيوف ألف جيش
بطعنات مسمّمة بخفايا القدر
ماذا أقول…
وقد أصبح قريني أبعد عني
كالشمس عن الأرض
ابدؤوا يا سكان مدينتي عزفكم
فقد أسلمت اليوم
وخضعت لشروطكم
فلا معنى لبقائي بين أناس
اعتادوا الخداع
فاليوم ضعفي…
واليوم استقالتي من أوراقي
ولتعلُ نيران مجلداتي… وسطور حياتي
فهي مجمّدة…
وقد استحقت مكانها بين الرماد
وأذهب أنا بأحلامي تحت التراب
فليبقى الكل سعداء
على فقدهم أغلى ما ملكته حياتهم
فلا معنى
لبقاء نقطة ماء في قفر صحراء
مع خالص تحياتي
الملاك الضائع