عبّارة الوهم

عبّارة الوهم

ها أنا من جديد، وقد عدت لترحلوا معي خلف أسوار الزمان

عدت لأكون على متن عبّارة قد حُجز لها ما بين ألف عام وعام

قد تكون مخيفة، لكنها مُعَدّة لقهر الأوهام

رُكابها مُحنّطون، فلا يوجد بينهم أحياء سوى أنت وبقية أحلام

قد تُحييك وأنت في بحرك الهادر المليء بالآثام

وقد تَسحقك وأنت تنتظر المزيد، ولا تعلم ما بك من الأيام

قد يستقر قلبك بين الضلوع، أو يرحل مع هول المكان

لا يوجد سوى البرد القارس والظلمة وأنفاس النيران

فنظرت، وإذا بين الظلام شبحٌ قد ظهر في عبّارة الأوهام

وبدأ بالعزف كأنين حيران

ونظرته جعلتني سجينًا بنفسي، وقد عفت هذا الإنسان

نعم، قد عفت نفسي ومن شكواي المستمرة من الأحزان

وإذ به يبادر بالكلام: "اهدأ يا صغيري"

"فأنت بعبّارة الوهم، ولا يكون بها إلا من غُدر به وليفه ورحل بلا استئذان"

"اهدأ، وسأترك لك دربك حتى تكشف طريق حزنك وسوء قدرك"

وذهب، وعدت أنا في ظلمة المكان

والكل من حولي بلا حراك... الكل في سكونٍ تام

وإذ بعبّارة الوهم تتوقف على جزيرةٍ قاحلة

أشجارها منحوته كأنها بشر، خالية من الإحساس... وأنا في فزعٍ تام

ما الذي أتى بي هنا؟ وما كل هذه الأوهام؟

وإذا بي بين الأشجار، ولا أعلم كيف، وما لم يكن بالحسبان

والكل يبكي كطفلٍ رحل، ولا يعلم طريق عودته من هذا المكان

أطفالهم شيوخ، نظراتهم سجينة

قلوبهم حزينة، نبراتهم ممزقة

أوردتهم أليمة، وجروحهم عميقة

يا إلهي، أين أنا؟ وكيف السبيل لعودتي؟

وإذا بي على متن العبّارة مرة أخرى

نعم، قد عدت في لحظات، كلٌّ منها كان كملايين الأيام

لا أعلم ما الذي حدث، ولكن أهذا مصير كل من هجره وليفه بين الزحام؟

وإذا بشبحي يعود بنظراته الحادة وملامحه العقيمة

ليخبرني أن هذه نهايتي

وبدأ يجيب عن تعجّبي وحيرتي

فما كانت عبارتي سوى الخيانة

والجزيرة هي أرض ضحاياها

وأشجارها أناسها، وأطفالها لعبتها

وعودتها دليلٌ على سهولة خداعها

وعبّارتها دائمًا في سعادة، تستعد لرحلاتها القادمة

لتترك ضحاياها وتزيدهم في كل مرة مخدوعًا جديدًا

وها أنا بينهم أقف بلا حراك

بأنينهم أستمتع، وبأنيني أبكي

على غبائي يوم إخلاصي لخائنة

دماؤها سمّ أفعى، ورائحتها العطرة بقايا متحللة

وأنفاسها بركان فاجر، وهمسها طعنات غادرة

وأنا ضحية أخرى على يد ماردة عاتية

محنّطٌ مجبور على الانضمام إليهم... في انتظار مخدوعٍ آخر مثلهم



مع خالص تحياتي

الملاك الضائع

العودة
العودة