Dr.Somaya
23 Nov 2003, 05:17
ليلة شتوية, السحاب يجرى بسرعة من خلف زجاج النافذة المكسو بالضباب. كوب شاى سيكون مناسب جداً فى هذا الجو البارد. اشعلت الموقد ووضعت الماء وأخذت اتأمل الفقاعات الصغيرة تصعد متجاورة إلى السطح بفعل تيارات الماء. كم كان يحب الماء! عامان مرا ولم استطع أن انسى رحلتنا الأخيرة, كل شىء من حولى يذكرنى به بشدة . كان يعشق البحر, يرسمه فى كل لوحاته, كان يقول أنه أصل الحياة, ولكن اخبرنى أنى اشبه البحر فى ثورتى وصفائى وأنه يحبنى هكذا متقلب مثل البحر. اللون الأزرق لونه المفضل, لمساته من حولى تذكرنى وتذكرنى. فتلك لوحة رسمها فى الغردقة وأخرى بشرم الشيخ , والبحر دائما سيد الموقف.. والشمس فى خلفية الغروب. وهذا حوض السمك به اصداف ومحارات جلبتها من البحر ليغازل أسماكه النادرة الجمال. ذوقه رائع فى كل شىء, فمنذ تحابننا ترك التفاصيل الدقيقة من حياتى للمساته الماهرة ..ولم يخب ظنى أبداً. كان طلبه بعد عام من العمل الشاق أن تكون زيارتنا هذا العام لجنوب سيناء, وبالفعل ذهبنا هناك وكانت الرحلة ممتعة . ورغم عدم اجادته للسباحة فكان يصر على اصطحابى للغطس فى الأماكن العميقة لليمتع بهذا العالم الساحر المتربع تحت الماء. يومها لم يكن معنا اسطوانات الاكسجين فاستخدمنا معدات الغطس الخفيفة لعمق متوسط, استمتعنا بمشاهد أسراب الأسماك الملونة والقواقع والأصداف والشعاب النارية وبعض أسماك القرش الصغيرة. كان كل شىء مستقراً عندما لاحظنا فرار الأسماك وانسحابها إلى المغارات الصخرية بسرعة, وقتها اشتممت رياح العاصفة.. صعدنا لأعلى فلم يخب ظنى , بالفعل قرر البحر اهدائنا أحدى ثوراته , لكن لم يكن الوقت بالمناسب أبداً. أخذنا طريق العودة وكان الخوف يتلبسنى اما هو فلم يرغب فى المغادرة بسرعة إنما طلب أن نتمهل لنشاهد العاصفة عن قرب. جذبته من بدلة الغطس معطى ظهرى لبداية العاصفة, لكن التيار كان عنيف .. والسباحة فى وقت كهذا مستحيلة. انهكنى التحرك لأكتشف أنى مازلت فى مكانى , يبدو أنه كان دوامة, لم ادر إلا وهى تسحبنى للأسفل .. ففقدت يدى يده , لم اجده بجوارى .. أخذت احرك نفسى عشوائيا فقد انُهكت تماما وفقدت حركات السباحة المنتظمة وتكاد اطرافى تتشنج. بعد فترة وجدت نفسى خارج الدوامة .. لكن بدونه, العاصفة هبت وأخذت تدفعنى للخارج, لم اجده حولى , غطست للأسفل فلم أر شيأ... كانت العاصفة تثير الرمال والموج عالى وصاخب. فردت ذراعىّ فطفت فوق الماء وتركت نفسى للموج الثائر يدفعنى أنى شاء... بعد فترة من الوقت لا أعرف مداها خفّت العاصفة وقلّت زمجرة الموج... فسبحت حتى وصلت للشاطىء وانا الهث واتجمد برداً . افقت على حرارة الشمس وتجمع الناس من حولى وبعضهم يضرب كفا بكف, فى لحظة استعدت كل تفاصيل الأمس ونهضت قفزاً متذكراً أنى عدت للشاطىء دونه.. حاول الناس من حولى تهدئتى عندما سألتهم عنه, اخبرتهم أنى يجب أن أعود لأنقذه .. فأنا من ضيعته, جريت نحو البحر لكنهم لحقوا بى واوقفونى.. لمحت غير بعيد على الشاطىء تجمع أخر ملتف حول سيارة اسعاف, وهمس لى أحدهم " البقية فى حياتك". اغمضت عينىّ عن دمعة لم تنزل من وقتها إلا الأن, عامين والدمع متحجر والقلب يأبى أن يصدق.. متأكد أنها ستخرج من أحدى تلك اللوحات المعلقة على الحائط حيث البحر.... والشمس دائما فى خلفية الغروب.